16
Apr
2021
0

يوتوبيا العروبة

ما يحدث لم نكن نتوقعه. ما كنا نتوقعه لم يحدث. هذه قصة جيلنا. هزائم وخيبات. تحرير فلسطين. الوحدة العربية. التنمية، والحرية، والعدالة، والمواطنية، والحداثة، كل ذلك لم يحدث. قوى التخلّف والتأخّر، والأصولية الدينية، ودول تعترف بإسرائيل، ودول تطبّع معهها، واستبداد يتفاقم، وفقر يعم، وبطالة تزدهر، وأمية تزداد أعدادها. ثورة 2011 دفنت في المهد. ثورة مضادة تعبث فساداً في الأرض. قمع، وإكراه، وكم أفواه، وكمامة اختيارية أو اضطرارية. تأخر علمي، وركود اقتصادي، وهزائم متتابعة، لكننا نحتفل بانتصارات وهمية. سيطر آخرون على قضية فلسطين. نتيجة أو سبب ذلك أننا فقدنا السيطرة على أنفسنا. التحرر الوطني (الاستقلال) ما قاد الى الحرية.

فشل العرب في أن يحققوا أمة.
-فشلت معظم الأقطار العربية في أن تحقق دولة ذات شرعية.
بقيت أنظمة الاستبداد.
-ما حدث على صعيد التنمية أنتج مزيدا من الفقراء.
-ثروات طبيعية، مع التأميمات أو بدونها، ما زالت سياساتها يرسمها الغير.
-بددت ثروات على إنفاق استهلاكي غير مجدي.
-بددت ثروات أكبر وشعوب في حروب عبثية بين عرب وعرب، وبين عرب ومسلمين.
-توسّع الفرق في المداخيل خلال نصف القرن الماضي بين دول عربية فقيرة وأخرى “غنية”.
-بعد عبد الناصر لم تحدث تنمية مخطط لها. تطوّر عشوائي في كل مكان عربي.
ازدهر المزاج الإسلامي لا العربي. توسّع الدين السياسي بشكل غير مسبوق.
توسعت الهوة في المداخيل داخل كل قطب عربي.
-لا غرابة في أن يساهم ذلك في تفاقم الشعور بانعدام العدالة وتفشي المرض الأصولي.
تزامن ذلك مع نماذج اجتماعية، سياسية، اقتصادية، نيوليبرالية.
-اقتصاد استهلاكي في كل مكان. نموذج نقله المهاجرون من الدول الغنية الى الدول الفقيرة، وكل ذلك غير مبني على قاعدة إنتاج.
-ما زلنا نتحدث عن أمة عربية إسلامية دون تحديد. التباس في العبير. التباس في الوعي.
-بناء الدولة (قطرية أو غيرها) ما زال متعثراً.
-هزمت الدولة أمام الشريعة. والشريعة لا تؤسس لدولة حديثة.
-عشوائية الاستبداد في كل بلد عربي.
-خيوط انتظام هذه العشوائية تقع في أيدٍ خارج المنطقة العربية.

الدولة والهزيمة

 -موضوع الدولة له أهمية خاصة وأولوية في كل نقاش عن تطوّر المجتمعات العربية. الدولة العربية “القطرية” قائمة، وقد تجذرت بفعل القدم، وإن تفاوت ذلك بين قطر وآخر.

 -الدولة مركز القرار، مهما كان شكل نظامها. هي التي تأخذ القرار باتباع هذا النموذج أو ذاك من التنمية؛ أو عدم التنمية المبرمجة أو ما يسمى النيوليبرالية.

 -تقوم النيوليبرالية على إهمال الدولة أو تصغير حجمها في الاقتصاد، وحتى المجتمع، لصالح الرأسمال المالي ومعه النموذج الاستهلاكي. تشترك في ذلك مع الاستبداد الذي يريد دائما تصغير حجم الدولة ومعناه لصالح النظام.

 -تتواءم النيوليبرالية مع الدين السياسي أو الإسلام السياسي، لأنها أيضاً تستصغر شأن الدولة لصالح الأمة.

 -الدولة التي نعني هي الإطار الناظم للمجتمع. مصدر القوانين ليس مجرد طبقة عليا نيوليبرالية، وليس الأمة، وإن وجدت مكوناتها خاصة اللغوية لكن لم تتكوّن بعد، وإن كانت تحتل حيزاً هاماً في الوعي العربي. النيوليبرالية والدين السياسي يسحبان الشرعية من الدولة (القطرية) القائمة.

 -كل تصوّر حول وحدة العرب لا بد أن يمر عبر الدولة (وهي تعني الديمقراطية في بعض ما تعني، إذ أن مرجعيتها هي الناس لا المفاهيم العليا التي تعبر غالباً عن مصالح ورؤى طبقات رأسمالية أو اتجاهات ايديولوجية دينية).

 -الايديولوجيا الدينية (وهي ليست بالضرورة مستندة الى نص قرآني) تتناقض مع شرعية الدولة؛ والنيوليبرالية تقوّض أسسها.
لا بدّ من شرعية للدولة. هذه الشرعية حالياً مفقودة في معظم البلدان العربية. الشرعية هي التي تقود الى الديمقراطية. حضورها يعني الديمقراطية. غيابها يعني الاستبداد.

 -الوحدة العربية، وهي ما يصبو إليه ذوو الانتماء العربي، تمر عبر الدول العربية، وتكون نتيجة خياراتها. النضال من أجل الوحدة العربية هو في نفس الوقت نضال من أجل الشرعية. ولا دول يمكن أن تعطيها الشرعية الآن إلا الدول العربية القطرية، عندما تصير شرعية.

 -الصراع حول الشرعية هو في أساس النضال الوحدوي؛ وهو صراع بين الشريعة والديمقراطية؛ بين الشريعة والدولة؛ بين الحداثة والتأخر.

 -الدولة الحديثة هي في أساسها دولة قانون ودستور وضعيين. الذين يضعونهما لا بدّ وأن يتأثروا كليا أو جزئيا بخلفيتهم الدينية التي تتعلّق بها الشريعة بشكل أو بآخر.

 -لا خوف لا على الشريعة ولا منها. هي ليست قانوناً ولا دستوراً. هي خلفية ذهنية لكل مسلم.

 -الخوف هو على الدولة. فإن دامت فاقدة الشرعية بفعل المزاج الديني الواسع الانتشار، فهي لن تحقق نفسها. ضغط الشريعة يمنع قيام دولة حديثة. وعدم تحقق الدولة يسهّل قيام أنظمة الاستبداد، سواء دينية الطابع أو عكس ذلك.

 -ما يجب الخوف عليه، ومنه، قبل كل شيء، هو ما في أنفسنا. هو وعينا المأزوم الذي لا يعترف بواقع الهزيمة، وبالتالي غير قادر على رؤية المسار الصحيح الذي علينا ولوجه. ما لم ننطلق كعرب من نقطة الاعتراف بالهزيمة، سيكون المسار مليء بالأخطار والأهوال.

 – هزيمتنا لم تكن في فلسطين وحدها، بل في مناحي الحياة الأخرى: الاقتصادية، والثقافية، والسياسية. تأخر العرب أسس لقيام إسرائيل.

 -يحكمنا سلفيون (بالدين السياسي والقومية؛ السلف الصالح والماضي المجيد). يهمنا مرضاة الله بغض النظر عن مرضاة الناس. لا نهتم أن صلاحنا في الدنيا يؤسس لقيام الدولة الحديثة ولمقامنا بعد الحياة. لا ندرك أن دعوة الشريعة والاستبداد متحالفين في الوعي، وان اقتتلا. كل منهما مأخوذ بالماضي. التحديث الذي اصطنعته دول الاستبداد لجأ للشريعة عندما رأى الشرعية يسحبها الإسلام السياسي منه.

 -اسرائل لم توجد لتبقى. هي باقية مع هزيمتنا. هزيمة الوعي. الوعي بثقافة الغرب وبتبني هذه الثقافة. لا خوف على ثقافتنا الموروثة؛ ما نأخذه عن الغرب محكوم بهذه الثقافة الموروثة. ممارستنا النقد تجاه ثقافتنا تكون بأن نقف ولو لوقت خارج ثقافتنا. تبني ثقافة الغرب يفيدنا في فهم ثقافتنا وفهم ما نحن عليه.

 -الخروج من هزيمة الوعي يكون بالعمل والإنتاج، وبجعل العمل قيمة بذاته، والإنتاج قيمة بذاته. بالنقد الفكري والتساؤل والشك قبل اليقين. بالتوحد العربي، بأي شكل كان، فيدرالي أو كونفيدرالي، شرط أن يكون توحّد دول. وحدة الشعوب العربية أثبتتها ثورة 2011. نشبت الثورة في جميع الأقطار العربية في وقت واحد.

 -بالعمل نحقق أنفسنا.  الإنتاج المادي يضطرنا الى انتهاج فكر علمي؛ إنتاج نظري يكون البداية والنهاية. للبحث العلمي أولوية على التعليم الديني. الدين نتعلمه في المنزل. البحث العلمي يجعلنا نسعى وراء المجهول. يدفعنا نحو المغامرة. مغامرة الوعي. العمل مادي وفكري. يبدأ بما هو فكري، نظريا كان أم فلسفياً. العمل الفكري يدفعنا الى الابتكار. ليس كل جديد بدعة. الدين السياسي هو البدعة.

 – كما تأسست ثقافة الغرب في عصر النهضة الأوروبية على ثقافتنا، نستطيع تأسيس أو تجديد ثقافتنا على ثقافة الغرب. عندما ازدهرت ثقافة العرب كان ذلك برفد ثقافات الأمم الأخرى. بغداد وقرطبة كانتا مدينتين كوزموبوليتيين (وغيرهما من المدن العربية) خلال التاريخ. الانغلاق الثقافي هو ما يجعل وعينا ذابلا. هو في أساس الهزيمة.

 – يُبنى مفهوم الأمة العربية على أساس مفهوم الأمة الإسلامية. طغى مفهوم الأمة الإسلامية. الإسلام دين. لا يستوي إلا بالإيمان. وهذا لا يكون إلا فردياً. الدين الجماعي طقوس وعقائد ينبغي التحرر منها. ليست مهمتنا إلغاء الدين بل وضعه حيث يجب أن يكون: على الصعيد الفردي والإيمان. الإيمان فردي. الدين السياسي يجعله جماعياً وطقوسياً.

 -تقديم مفهوم الدولة على مفهوم الأمة. الدولة ما يصنعه الإنسان. الدين معطى من الله. أنتم أعلم بشؤون دنياكم. الدولة إطار ناظم للمجتمع. الدولة شرط لما عداها. النظام شيء آخر. هو أجهزة أمنية بيروقراطية. هذه تدعم الاستبداد. وهذا يؤبد الانغلاق الثقافي. الدولة مركز القرار. القرار نحو التنمية وإنتاج مجتمع الكفاية. لا بالانغلاق الاقتصادي بل بالتبادل بين الدول شرقا وغربا. كي نستورد علينا أن ننتج. لا ننتج الآن إلا مجتمع الاستهلاك. لا ننتج مقابل ما نستهلك بل نستورد ما لا ننتج، وما ننتجه قليل. تتراكم الديون الخارجية والاعتماد على الغرب. مع العمل والإنتاج يحدث الاعتماد المتبادل بيننا وبين الغرب. نصنع العزة القومية بالإنتاج. نصنع الأمة بالإنتاج. الأمة ليست كيانا فوقياً يتجلى بل كيان يُصنع مع الأخذ بالاعتبار أننا لا يمكن أن نصنع إلا ما يتلاءم مع حاجاتنا للاستهلاك والتبادل.

 -إنتاج المستقبل هو في الوقت عينه إنتاج الأمة. إنتاج ما نحتاج هو إنتاج المستقبل. صنع المستقبل يعتمد على التاريخ. فهم التاريخ، لا الانغلاق في الماضي ولو كان مجيداً.

لغتنا عروبتنا

-العروبة إنتماء، بمعنى أنه اختيار يقرره الإنسان.
-ليست العروبة أصلا من الماضي بل كيانا يصنع في المستقبل.
-بالطبع لن يكون الخيار القومي إلا تأثرا بالموروث الثقافي.
-تحوي أرض العرب أقليات عدة وإثنيات وقبائل وأديان ومذاهب لا تدين بالعروبة. لها الحق بالوجود والاستقلال.
-الولاء للدولة وحسب. من الطبيعي أن يكون الطابع العام عربياً واللغة المعتمدة عربية. في كل بلد عربي، الأكثرية تختار اللغة الرسمية ديمقراطياً.
-لا عنف تمارسه الأكثرية من أجل تماثل الأقليات واندماجها. ولا التفات للكلام الهراء عن حلف الأقليات.
-الحداثة لا تفرض على القبائل العربية وغير العربية.
-لإقرار بالحق بالوجود لأديان وقوميات الآخرين، وجميع الممارسات الدينية واللغوية غير العربية.
-إذا كان الدين مدنياً، فالقومية مدنية، والجميع متساوون في حق المواطنة (أمام القانون). وتكون الدولة حديثة.
-تطوير قواعد اللغة جزء من تطوير قواعد المجتمع والاقتصاد والسياسة.

فلسطين

-تحرير فلسطين ليس جوهر القضية العربية. جوهر القضية العربية هو القضية العربية: التقدم، الحرية، المواطنة، العدل والمساواة. ثبات الملكية الخاصة عربيا وفلسطينياً.
-رفض حل الدولتين في فلسطين.
-دولة واحدة رغم الأبارتايد.
-رفض دولة الأبارتايد يعني رفض دولة اليهود. هو يعني دولة عربية فيها يهود وغيرهم، وعرب وغيرهم.
-في دولة الأبارتايد سيكون للفلسطينيين حقوق أقل؛ في حل الدولتين سيكون لهم أرض أقل.
-النضال من أجل فلسطين هو نضال من أجل الفلسطينيين، بما في ذلك حق العودة.
لهم حقوق كما لليهود المهاجرين الى فلسطين عبر القرنين الماضيين.
-التطبيع الذي اختارته بعض الدول العربية، هو صهينة هذه البلدان. بما في ذلك التمييز بين المواطنين وغير المواطنين، وبينهم المهاجرين. صهيونية عربية ضد العرب الآخرين.
-اسطورة اليهود وفلسطين تاريخياً دحضها مؤرخون يهود اسرائيليون وعرب.
الصهيونية اليهودية واحدة من صهيونيات أخرى، إسلامية ومسيحية. جميعها أصوليات دينية وقومية.
-الأصولية أيضاً قومية. الأديان والقوميات المبنية على الأصول جميعها فاشية.

التنمية

-التنمية تعتمد خططا اقتصادية تضعها الدولة. كل خطة تعتمد على القمع والإكراه والاستبداد هي نوع من المصادرة؛ مصادرة الملكيات الخاصة والحريات الثقافية والسياسية.
-التنمية قبل كل شيء حالة نهوض لا تقوم إلا بجعل العمل قيمة إساسية، قيمة عليا.
حالة النهوض تشمل كل زوايا المجتمع بما فيها الشأن الثقافي والسياسي.
التنمية علاقة بالدولة. علاقة قائمة على المواطنة. المواطنة أساس الدولة والحرية والانعتاق من عبء الموروثات.
-التنمية تعني النهوض بتجديد قيم العمل والثقافة والتراث.
-قيم متشابكة لا تنفرد الواحدة عن الآخريات.
-مجتمع الإنتاج وأولويته، والاستهلاك وتبعيته للإنتاج، هو مجتمع الحداثة.
-الحداثة تطوّر مجتمع تلعب الدولة فيه دوراً مميزاً.
-التنمية مجتمع السياسة والحوار والتراكم والنقاش والاختلاف والحق بالاختلاف.

الحرية والتحرر

-التحرر يعني التخلص من تسلط الامبريالية والتبعية.
-الحرية فردية. أن تتبع في سلوكك ضميرك لا ما يُملى عليك.
-الحرية تحرر من المجتمع في إطار الدولة. المجتمع يملي عليك بفعل التربية في البيت والمدرسة.
-الحرية لا التحرر نقيض الاستبداد. استبداد المجتمع لا يقل أثرا عن الاستبداد السياسي.
-الحرية تعني المواطنة. إزالة كل وسيط بين الفرد والدولة بما في ذلك الطائفة. هذه أخطر الانتماءات الأولية، مع القرابة والعشائرية والإثنية والأصولية الدينية والقومية.
التسامح حيال الآخر المختلف هو في جوهره، كما يجب أن يكون، قبول رأي الآخرين على أساس أن كل رأي يحتمل الصواب والخطأ. يفقد التسامح الجبري معناه إذا اعتبر مجرد تسامح الأكثرية حيال الأقليات. للأقليات حقوق متساوية مع الأكثرية. يتغيّر هكذا معنى التسامح.
-التكليف الشرعي يخص صاحبه. لا تكليف مع الدولة الحديثة سوى حقوق المواطنة.

الهوية

-الهوية من “هوى النفس” لا من “هو”. تنبع من الذات ولا تتحدد بالآخر “هو”.
الهوية بمعنى هوى النفس تعني كيف نريد أن نكون. لا نحدد أو نعرف أنفسنا بما مضى بل بما سيكون. هي الإرادة التي نختار البناء عليها وليس المعطى الذي يحددنا. نحن أبناء أنفسنا ولسنا أبناء الماضي. التاريخ فينا؛ جزء منا. التاريخ غير الماضي. هو ماض وحاضر ومستقبل.
-نحدد الهوية على أساس المستقبل، رفضا للحاضر، وخروجاً على الماضي والسلف الصالح.

أمة الدولة أو دولة الأمة

-الأمة تُصنع. يصنعها البشر. والدولة يصنعها البشر.
-تتحقق الأمة بالدولة، دولة الوحدة.
-يصير لتعبير الدولة القومية معنى وجودي.
-القوى الحاملة للوحدة لديها ارتباك كبير.
-الارتباك أساسه نظري وهو عدم اعتبار الأمة احتمالا تنشؤه الدولة.
-دولة الوحدة تتكوّن من دول. هي في أساسها قطرية تحاول أن تكون، أو تشكّل أمما، ولا تستطيع.
-أساس العمل من أجل الوحدة يجب أن ينطلق من مسألة اللغة. ما زال في اللغة عشوائية ونخبوية إذا كان ما يتحدث عنه الألسنيون الغربيون أن اللغة تنعكس بناها في البنى الثقافية. فإن لذلك نتائج كبرى بالنسبة لنا كعرب. هل ينتظم وعينا دون انتظام اللغة؟