27
Mar
2020
0

نفاق العلم

العلم يتعلّق بما يمكن أن يُعرف، أي الانسان والطبيعة. الدين يتعلّق بما لا يمكن أن يُعرف. كل المعرفة الدينية هي اشتقاق معلوم من معلوم (استنباط). فهي لا تنتج معرفة جديدة، وهي ليست موضوعنا. يتميّز الإيمان في الدين بالصدق عن صواب أو خطأ. أمر يستحق الاحترام، لكنه ليس من الدين، إذ لا يُبنى الدين عليه. لا يُبنى الدين على ايمانك النابع من ضميرك بل من إيمان الآخرين. تستطيع أن تعرفه وحسب. لكنه ما كان يوماً أساسا للمعرفة. ربما عوقب أصحابه عليه من القيمين على الدين. تحدثنا عن الدين وخطورة اعتقاد أصحابه بالحقيقة المطلقة.  المعرفة الصادرة عنه لا تفيد، لأنها لا تقدم جديداً. هي استنباط من معلومات سابقة.  لا تقدم جديداً يُساعد في حل المشاكل المستجدة. تأخرت المجتمعات الإسلامية كثيراُ لأنها اعتمدت على هذه المعرفة، بل صارت المعرفة الدينية ومدارسها مراكز تأخّر وتخلّف في المجتمعات العربية. عندما صارت أسساً للهوية السياسية دخلنا مرحلة الحروب الأهلية. ظهرت ثورة 2011 وكانت حدثاً عظيماً. الدين كان بمذاهبه أداة الثورة المضادة. تفلح الثورة عندما تفتح الباب للعلم لا للدين.

أداة العلم الحديث هي العقل. يكتشف العقل معرفة جديدة لا بالإيمان بل بالشك والفرضيات والتجربة والبرهان على خطأ نظري يتجاوزه الى نظرية أخرى ليثبت خطأها. يتقدم العلم عبر إلغاء الخطأ. يتراكم العلم الديني عبر تراكم شبه المعرفة التي تعتبر صحيحة كي يُبنى عليها. مجال الدين هو اليقين. مجال العلم هو الشك، اللايقين، الترجيح، الاحتمالات.

تفرّع العلم من معارف سابقة. عانى الكثير مع أنواع المعرفة السائدة حول الطبيعة أو الإنسان. بايكون مات عندما أصيب بالبنومونيا (الالتهاب الرئوي الحاد) في القرن السادس عشر وهو ينزل من عربته في طقس مثلج ليتقفد دجاجة دفنها في الثلج. كان وزير مالية في بريطانيا. أما الذي اكتشف دوران الأرض حول الشمس فقد حاكمته الكنيسة. محاكم التفتيش أعدمت أحد أتباعه.

لكن المشكلة دائما هي مع العلم السائد. اكتشف نيوتن في بداية القرن الثامن عشر قانون الجاذبية. وكان ذلك أساس العلم الى مطلع القرن العشرين حين اكتشف اينشتاين قانون النسبية، ثم اكتشف العلماء علم الذريرات الصغرى، علم الكوانتوم. ولكل من هذه القوانين مجاله النسبي. يُخطىء العلم، كل العلم، وكل نطرية عندما تعتبر نفسها مطلقة وصالحة لكل مكان وزمان. فيزياء نيوتن تصلح للأجسام العادية كما نراها. فيزياء اينشتاين للأجسام الكبرى والمجرات. وميكانيكا الكوانتوم للذريرات التي لا نراها إلا بالمجهر. يختلف العلماء فيما بينهم. يراجعون دائماً كل نظرية صحيحة أو خاطئة. هم بحاجة دائمة للبرهان على ما هو صحيح وإزالة ما هو خطأ. في مؤتمر للعلماء في عام 1977 قال ايزنشتاين، وهو من علماء الذريرات، أن مشكلته مع الذريرات هي أنها كلما أثبتناها في مكان، تتحرّك الى مكان آخر. نطبّق قوانين نيوتن على هذه الطاولة التي أكتب عليها ولا أكتشف بالعين المجردة أن هذا الجماد يتشكّل من ذريرات تتحرّك بشكل دائم. قوانين نيوتن تتطبّق على الطاولة وليس قوانين اينشتاين أو ميكانيكا الكوانتم. غضب اينشتاين من جماعة الكوانتوم عندما تحدثوا عن علم الاحتمالات، وأن الذريرات الصغيرة لا ينطبق عليها إلا رياضيات علم الاحتمالات. كان جواب اينشتاين الشهير “الله لا يلعب بالنرد”. ما عنّ على باله أن الله خلق الاحتمالات. يتناقض العلم والدين عندما يعتقد كلً منهما بأنه يمتلك الحقيقة المطلقة. طبعاً هذا لا يزيل التناقض الأساسي وهو أن الدين  يشتق المعرفة وأحكامه مما هو معلوم (بالاستنباط) والعلم يشتق المعرفة مما هو مجهول (بالتجربة والاستقراء). وكل منهما يتناقض مع نفسه عندما يضع نفسه في خدمة طرف ثالث. في الزمن الحاضر يضع الدين نفسه تحت خدمة الاستبداد، ويعتبر أن الله، عن طريق مندوبيه، كلفه العمل، بل والقتال، لخدمة الاستبداد. في الجامعات ومراكز البحوث الكبرى يضع العلم نفسه في خدمة الرأسمال. هنا يأتي دور التكنولوجيا التي تستخدم النظريات العلمية لصنع أشياء مفيدة. التكنولوجيا لا تبحث في “لماذا” و”كيف” تكون الأشياء. التكنولوجيا تبحث بل تعمل على صنع الأشياء انطلاقا من نظريات معروفة، لصنع أدوات تضعها تحت خدمة صاحب رأس المال. يعتقد العلم أنه لا يصلح إلا بالتكنولوجيا، ويعتقد الدين أنه لا يصلح إلا بالطقوس. قليل من الناس من يعتقد بالعلم في سبيل العلم، والنظرية في سبيل النظرية. العلم هو لتلبية شبق المعرفة دون هدف من ورائها سوى أن نعرف. ويعتقد الدين أن الإيمان لا يستقيم إلا بالطقوس بدل من أين يكون مستقلاً داخلياً في النفس دون حاجة الى برهان وطقس خارجي. الإيمان هو شعور داخلي وحسب، أي الإيمان.

لقد استُخدم العلم في خدمة التكنولوجيا، وهذه في خدمة الرأسمال، وهذا في خدمة الحرب، وصولاً الى السلاح النووي الذي يمكن أن يدمر البشرية. تحدث الناس كثيراً عن السلاح الكيماوي وجريمة استخدامه، وعن السلاح البيولوجي وجريمة استخدامه، وكلاهما موجود بيد دول تسيطر عليها الرأسمالية، أو هي تسيطر على الرأسمالية. عن طريق سلاح الدمار الشامل يمكن إفناء الحضارة البشرية. بينما تعمل المقاومة الشاملة (اليسار) على تغيير النظام السياسي-الاجتماعي. تخيرنا الرأسمالية بين الخضوع والموت. كورونا فيروس وضعنا في سجن اختياري لا بدّ منه كي نبقى أحياء. من يملك هذا السلاح البيولوجي يسيطر على حياتنا ويمكن أن يقرر موتنا. وهل كانت هذه التكنولوجيا ممكنة دون العلم؟

عندما يزدهي العلم ويتباهى بنفسه لا يدري أنه وسيلة بيد الرأسمال. يدعي الحقيقة المطلقة ويخضع لسلطة المال والسلطة السياسية. يصير أداة ووسيلة. يتساوى مع فقدان الكرامة الانسانية: يصبح أداة للاستغلال، والأنكى للفناء. وهذا وباء الكورونا يصيبنا. لم يكن وباء الكورونا ممكناً لولا المختبرات البشرية. لا نعرف كيف قفز من المختبر الى الجمهور. كيف أصبح اللاعب الأوّل في الحياة العامة؛ في السياسة حيث تنقلب الليبراليات الى ديكتاتوريات. وهل كانت الليبرالية تخفي في حناياها إلا الديكتاتورية؟ العلم بيد نظام سياسي-اجتماعي يعرّض البشرية للفناء. كما اقتتلت البشرية خلال التاريخ حول الدين وصحة المذاهب. المقاومة البشرية ضرورية لوضع الدين والعلم، وكل المعرفة، في خدمة الانسان وحسب، لا في خدمة الرأسمال أو المتسامي، وفي خدمة قوى الاستغلال وانتهاك الانسان والطبيعة.

على العلم أن يتواضع وينزل من الطبقات العليا الى الدنيا، من خدمة النظام الرأسمالي القائم، والذي قارب من نهايته، الى خدمة البشرية. فقراء البشرية، وهم الأكثرية الفاقدة انسانيتها بسبب استغلال رأس المال.

العلم لا ينقذ الانسان ولا ينقذ البشرية من الفناء. النظام السياسي-الاجتماعي يمكن أن يفعل ذلك. هو سيفعل ذلك إذا تغيّر باتجاه الانسانية، وإذا بقيت هذه الانسانية على قيد الحياة. تقدّم العلم في وجه الدين، وكان ذلك ضرورياً. والآن على العلم أن يضع نفسه في خدمة الانسانية. في هذا النظام الاجتماعي الليبرالي-النيوليبرالي، وضع العلم نفسه في خدمة المال. الجامعات ومراكز البحوث والأكاديميا (الجامعات) تتسوّل المال من أصحاب المال كي تستمر. تتشكّل بإشراف السلطة السياسية كي تضع نفسها في خدمة رأس المال. المسألة في العلم والدين، وفي المعرفة كلها، هي أين يضع كل منهما نفسه. المعرفة تحرر ولا شك. لكنها تصير وسيلة للاستعباد والاستغلال عندما تضع نفسها في خدمة الاستبداد ورأس المال. ضد ذلك فالمقاومة واجبة. مقاومة النظام العالمي برمته. هذا النظام الذي وضعنا بسبب الكورونا فيروس في الإقامة الجبرية عندما وصلت الرأسمالية العالمية، والنظام العالمي الى طريق مسدود.

في الوقت الذي بلغ فيه النظام العالمي حافة الانهيار، عند سقوط البورصات، ظهر الكورونا فيروس ليضع الناس في بيوتهم. ولمنع التجوّل، قبل أن يتدفق غضب الجماهير الى الشارع. ليس مهما أيهما سبق الآخر، أو أيهما سبب للانهيار المالي ثم الاقتصادي، الكورونا أم الانهيار الاقتصادي. المهم أنهما يتزامنان وأنهما من صنع النظام العالمي. من صنع النظام الرأسمالي العالمي. هل معنى ذلك أن الرأسمالية قد شارفت على الانهيار الكامل، بفعل تناقضاتها الداخلية؟ تهددنا بالفناء ان لم نضع أجسادنا وأرواحنا في خدمة النظام؟ ان لم نخضع فليكن مصيرنا الفناء؟ براءة العلم الكاذبة، براءة الأكاديميا المنافقة، تضعنا أمام خيارات مصيرية.

انهارت الشيوعية السوفياتية أمام الرأسمالية العالمية دون عنف ووضعت نفسها بتصرفها. كانت الشيوعية الصينية منذ بداية نهوضها الاقتصادي في خدمة النظام العالمي الرأسمالي. هي رأسمالية بكل معنى الكلمة. نيوليبرالية واستبدادية. هكذا أرادتها ليبرالية المركز الرأسمالي.  زعم كل منهما أنه ينظم المجتمع على أساس علمي، وبالتالي أساس موضوعي يمنع الخطأ أو التمييز ويعطي كل ذي حق حقه. أغفل هذا العلم أن السلطة ليست له بل للقوى السياسية الاجتماعية المسيطرة. يبقى لدى الانسانية العلم هدف بذاته؛ المعرفة في سبيل المعرفة. لكنه يخسر أخلاقياً عندما يخضع للسلطة. البحوث المتعلقة بالاحتباس الحراري وثقب الأوزون والتغيير المناخي هي مواضيع تتنازعها السلطات. مهما كان الأمر، يبقى الفضل للعلم والعلماء الذين لا يتحيزون لهذه السلطة أو تلك، والذين ينضبطون بقواعد المعرفة فقط مهما بلغت التضحيات. يعلم أهل العلم أن ما ينتجونه من معرفة سوف تضعه، أو تضع بعضه، الرأسمالية تحت جناحيها في سبيل الإتيان بنتائج لا تضر بمصالحها. وما لا يضر بمصالحها هو الذي يتناسب مع إنتاج الربح حتى ولو كان الأمر على حساب الحقيقة.

يعتمد العلم على التجربة والحقيقة. التجربة قائمة على الشك، الى أن تتكرر التجارب وتثبت حقيقة أمر ما. تعتمد الحقيقة على النسبية وعلى أن كل صواب هو حقيقة نسبية لكل زمان ومكان. الحقائق تنسفها حقائق جديدة. تؤكد المعرفة العلمية نفسها بالانتقال من حقيقة الى أخرى حول نفس الموضوع.

خطورة العلم هي عندما يعتقد أنه يتعلق بالحقيقة المطلقة. هو يسعى إليها ويقترب منها. لكنها تبقى خارج المتناول. أخطر ما على العقل البشري هو الحقيقة المطلقة. في كل مرحلة من مراحل التقدم البشري هناك ما يُسمى “العلم السائد”. العلم المأخوذ به على أنه حقيقة ليحل مكانه موجة أخرى من الحقيقة السائدة كما قال توماس كون.

لكل ذلك يترتب على العلم أن يتواضع. هو يأتي بالتجربة من التعاطي البشري مع الطبيعة، ومع الكون والانسان، ويعتبر تواضعاً أنه يجهل أكثر مما يعرف. يحب المجهول وينتقل من مجهول الى معلوم بالتجربة وأعمال الفكر وكدّ العقل. ينطلق الدين من مسلمات بديهية. يسعى العلم الى نسف البديهيات المعطات للوصول الى بديهيات أخرى. لا بدّ من بديهيات ينطلق منها العلم ويكون شديد السرور عندما يكتشف خطأها لينتقل الى بديهيات أخرى يعرف أنها ستلاقي المصير نفسه.

الخطورة الكبرى هي عندما يعتقد العلم أنه ينظّم المجتمع: يجتمع العلم في يد الخبراء وهؤلاء يقررون، بطريقة أو بأخرى. تصير لديهم سلطة اما من أنفسهم أو يستخدمونها. يعتقدون أنهم يسيطرون على المجتمع والطبيعة.ى يتحوّل الأمر الى استبداد. السلطة دائماً  هي لقوى سياسية واجتماعية تستفيد من العلم أو لا تستفيد. لكن العلم لا يستطيع انتزاع السلطة من الانسان. الانتفاء الأساسي على شركات التواصل الاجتماعي هو أنها تجمع المعلومات، كل المعلومات المتاحة وغير المتاحة، العلنية والسرية، لتقرر في النهاية السلوك البشري، وصولاً الى ما يُسمى الذكاء الاجتماعي. فكأن العقل البشري يصنعه العلم أو التكنولوجيا. ويحلان مكان خالق تنازع البشر كثيراً على وجوده.  النفاق هو في اعتبار العلم لنفسه وكأنه قبض على النفس الانسانية، وحل ذكاء حواسيبه مكان الذكاء البشري؛ أو أن البحوث في الجينات والاستنساخ سوف تساهم في خلق انسان جديد. هكذا يفقد العلم تواضعه ويصير أشبه بالدين في اعتبار الخالق هو الذي خلق وهو الذي يقرر كل السلوك البشري. وتُلغى الإرادة البشرية وتخضع لاعتبارات تقنية. جمع المعلومات ليس بحد ذاته معرفة. والقبض على معلومات السلوك البشري لن يحل مكان الإرادة. عندما يصل العلم الحديث الى استكمال البحث وتصحيح الذكاء البشري، إن حصل ذلك، يكون قد حوّل الانسان الى روبوت. عند ذلك تكون الإهانة الكبرى للنفس البشرية.

يفقد العلم تواضعه عندما لا يخضع لغايات الإنسان، بل يكتفي بالعمل في مؤسسات تعليمية أو تفكيرية أو بحثية تعمل لحساب رأس المال؛ كما فقد الدين تواضعه عندما صار مطية للسلاطين. العلم أكثر تقدماً من الدين في اكتشاف الطبيعة والانسان؛ لكنه يخسر فوائده عندما يتسيّد على الانسان بينما هو يضع نفسه في خدمة المال، أي عندما يصير سلعة. لا إنقاذ للدين إلا بالاقتصار على الدين الفردي، الاقتصار على الإيمان، وإخراج الدين بطقوسه من المجتمع. ولا انقاذ العلم إلا بإنقاذ العلم من التسليع، وكيف أصبح سلعة لدى الطبقة المؤلفة من أصحاب رؤوس الأموال.

السياسة هي التي تعيد العلم الى صوابه، والدين الى صوابه. السياسة بما هي العلاقة بين البشر الأكفياء الأسوياء الأحرار الذين يعيشون في مجتمع مفتوح. السياسة تعيد الأرض والإنتاج والمال للانسان. تحصل السياسة عندما تنشأ علاقات التعاون بين البشر وتتفوّق على علاقات التنافس والتناحر والحرب. عندما تغيب السياسة، يهبط مستوى المواطن الى العبودية، يخضع للعلم، ويخضع للدين، ويصير وسيلة للعلم، ووسيلة للدين. بالسياسة يخضع الدين والعلم للانسان. أرسل الله الدين لا ليكون فعل سيطرة بل وسيلة لتحرر الانسان من القلق والشعور بالضعف أمام قوى الطبيعة والسلطة. صادرته السلطة. بنى الانسان العلم للتحرر بالمعرفة من غلبة الانسان والطبيعة، لا ليتسلط على الطبيعة، كما يفعل في خدمته لرأسمال، بل ليعيش بسلام مع البشر الآخرين. على الانسان أن يعلم أنه يمكن أن يعيش مع الآخر دون كره، ويستطيع التبادل دون غش والربح والريع. تهيّء الرأسمالية الناس بالتربية للتنافس والبغض والحقد. على المشروع المضاد أن يكون عكس ذلك. لا يمكن للمشروع أن ينجح دون السيطرة على العلم ودفع الدين الى مكانه الصحيح وهو الإيمان الفردي.

تصل الليبرالية، مع النيوليبرالية التي نشأت عنها، الى طريق مسدود مع الانهيار المالي الذي نشهده في العالم، والذي تحوله هذه النيوليبرالية الى انهيار اقتصادي يهدد المصير البشري. يتزامن ذلك مع وباء مخيف أو جعلوه مخيفا وضعنا في سجن منزلي اختياري، يهدد هو بدوره المصير البشري. نخاف من هذا المصير رغم أن منسوب الهلع يفوق كردة فعل من قبل الحكومات حول العالم والناس حجم الإصابات المعلنة، إلا إذا كان هناك أمور وإحصائيات تخفيها السلطات التي تحكم العالم.

توقع الاقتصاديون منذ شهور، علماء الاقتصاد، انهيارا ماليا واقتصاديا. ما إن جاء الانهيار حتى ظهر فيروس كورونا. التزامن غريب. نسمع على الفضائيات تعليلاً للانهيار بالقول أن سببه هو الفيروس الذي يقطّع أوصال العالم. في الواقع، لا ندري أيهما السبب، هل هو الانهيار المالي أو الفيروس؟ لا ندري أيهما سبب الآخر. لا ندري إذا كان هناك رابط بين الإثنين. ربما نعرف السبب بعد فوات الأوان. في تطوّر  حياة كل منا الشخصية، نميل الى الرعونة والحمق والإثارة في مرحلة الشباب. لا نصاب بالحكمة إلا عندما نكبر في السن. تأتينا الحكمة بعد فوات الأوان. ربما تأتي البشرية الحكمة بعد فوات الأوان، وتستفيق الى أن الحل ليس في الدين بذاته ولا في العلم بذاته، بل الانسان بذاته، وبالعلاقات البشرية السوية.

ملاحظة: لو لم يكن العلم غافلاً عن الانسان ومكرساً لخدمة الرأسمال ومسلعاً للحياة البشرية لما وصلنا الى ما وصلنا إليه؛ ولكان الانسان بحكوماته وشعوبه قادراً على مواجهة الفيروس دون كبير عناء.