3
Feb
2023
0

المطلوب استعادة الدولة والنفط أداة

وجود النفط، سائلا أو غازاً، كان معروفاً قبل الإعلان عن ذلك بعقود عديدة. الإعلان عن وجوده وإمكانية استخراجه تم منذ ولاية الرئيس لحود. الاتفاق بشأن استخراجه حصل في أيام الرئيس عون. عندما كان استخراجه حاجة اسرائيلية كان التفاوض ضرورياً مع لبنان. أخذ ذلك وقتاً طويلاً. مع نشوب الحرب الأوكرانية الروسية أصبح حاجة ملحة. إذ أن روسيا كانت وما تزال تهدد أوروبا بقطع الامدادات. النفط حاجة أوروبية حيث لا يُنتج الكثير منه، والاعتماد على الامداد الروسي لم يعد ممكناً كما كان. تطلّب الاتفاق على حقول النفط مفاوضات طويلة، كان الوسيط فيها أميركياً. وكان اتفاق ترسيم الحدود البحرية أشبه بالتطبيع.

استخراج النفط من أرض أو بحر أي بلد لا تقرره حكومة البلد، بل شركات النفط المدعومة من حكوماتها. الغرب الامبريالي هو الذي يقرر وليس حكومات بلادنا. وقد وقّعت حكومة بلدنا الاتفاق منذ أيام مع الشركات. وكان طيف الامبريالية الأميركية حاضراً في غرفة الاجتماعات التي تم فيها التوقيع في مبنى رئاسة الحكومة. هي حكومة تصريف أعمال، يوقّع وزيرها اتفاقاً بهذه الأهمية. لا يغيب عن البال أن للضرورات أحكام، فلم يمانع وزراء الفريق الذي يرفض حضور جلسات مجلس الوزراء.

ليس استخراج النفط في البحر المقابل للساحل اللبناني تلبية لحاجة أو حاجات لبنانية. ولن يكون كذلك. ولم يكن القرار لبنانيا بل كان تنفيذه لبنانياً، رغم أنه ياتي في وقت يحتاج المجتمع اللبناني الى كل مورد مالي بسبب الأزمة، أو الانهيار الاقتصادي الذي يعانيه. من المشكوك فيه أن تُستخدم ايرادات النفط لصالح المجتمع. فالشركات العالمية هي المستفيد الأول. يقال أن شركات خدمات لبنانية قد بدأت تتشكّل لتكون حاضرة عندما يتدفق “الذهب الأسود”. لبنان لا ينقصه مال. الذين ينقصهم المال ويفتقرون إليه هم أبناء الطبقات الدنيا الذين يعانون الأمرين. مع مصادرة مدخرات هؤلاء في المصارف، بل سرقتها، وتحويلات أصحاب الثروات أموالهم الى الخارج، باتت الطبقات الوسطى والدنيا على حافة المجاعة. الطبقات العليا ونظام الحكم الذي يمثلهم لا يهتم لذلك.

ما يحتاجه لبنان وما يجب أن يكون الولوية الأولى لدى اللبنانيين هو الدولة، بما هي إطار ناظم للمجتمع، وبما هي نظام للحكم؛ ففي إطار الدولة يعيش اللبنانيون سوية ، وتحت هيبة النظام يعيش اللبنانيون تحت حكم القانون والدستور. دون الدولة ستكون ايرادات النفط السائل والغاز نهباً للعشوائية، وتتقاسمها أو تتحاصصها ميليشيات السياسة وأكباش الطوائف ومن يدور في فلكهم. النفط كأي ثروة أو مصدر لثروة يحتاج الى من يدير ايراداته، وذلك لا يكون ولن يكون إلا الدولة. لا يستقيم المجتمع بمجرد وجود النفط بل بوجود الدولة. إن نظرة الى دول النفط في العالم توضح أن بعضها غارق في العشوائية والفقر والحرب الأهلية. وفي البلدان ذات الدولة وهيبة النظام وحسن التأتي يكون النفط مصدراً لثروة حقيقية. النفط لا يصنع الاستقرار والثبات والسوية، بل العكس هو الصحيح.

في جميع الأحوال، تتحكّم بالنفط عادة الشركات التي تستخرجه وتتولى نقله وتوزيعه. حتى البلدان المستهلكة عوائدها من النفط بسبب ما تفرضه من ضرائب على المواد الهيدروكاربونية أكبر من عوائد البلدان التي يستخرج منها النفط الخام. من الإنتاج الى النقل الى المصفاة الى التوزيع الى محطات البيع، سلسلة من العمليات لا تتحكّم، إن تحكمت، دول النفط إلا بالعملية الأولى، ومعظم الثروة المتأتية من النفط هي حصيلة العمليات اللاحقة. لن يكون لبنان داخلاً إلا في جزء من العملية الأولى، وهذه ستكون نصيب أكباش الطوائف ومن حولهم، وشركات الخدمات النفطية، أي باختصار ما سوف تقتطعه المافيات النفطية أكبر بكثير مما سوف يتسرب الى الطبقات الدنيا. وليس في الأفق ما يشير الى أنه سوف ينشأ صندوق لعائدات النفط يُستخدم للفائدة العامة. على الأرجح سوف تُضم حصة الدولة الى الخزينة العامة، وهذه كما هو معروف يُنفق معظمها على رواتب وأجور استهلاكية، ويتنافس عليها أكباش الطوائف والنافذون في السلطة، وربما أدى التنافس الى حروب أهلية أخرى.

في السنوات الأخيرة لم تكن مسيرة الدولة باتجاه تراكمي نحو مزيد من الانتظام في السلطة والمجتمع. العكس تماما هو ما حصل. ولن يكون غريباً ان تساهم ايرادات النفط في تفاقم هذا الاتجاه. القوى الأقوى في السلطة لا تريد عافية الدولة. وربما، وعلى الأرجح، لا تريد دولة بالمطلق. والفصيلة البشرية، خاصة البيروقراطية، التي يسمى الواحد من أفرادها “ابن الدولة” لم تعد هي الغالبة عددياً ونوعيا في الدولة والمجتمع. مع تحولنا الى دولة فاشلة، وربما الى مجتمع فاشل، لا بدّ من التشاؤم حول مصير عائدات النفط، والتشاؤم بنسبة أكبر حول مصيرنا كمجتمع. فالجشع والطمع والاحتيال والنصب والسرقة ومصادرة المصارف لمدخرات الناس الذي امتازت به الطبقات العليا تتسرّب جميعها الى بقية المجتمع. من له يُعطى ويزاد احتيالاً، ومن ليس له يضطر الى الاحتيال لكسب لقمة العيش.

ان استخراج النفط السائل والغاز من شواطئ لبنان لا يعني بأنه سيصبح من الممكن تزويد اللبنانيين بالكهرباء. فالخام يذهب أولاً للشركات العالمية. وهذه تشحنه للخارج. أما موارده فليس من الضروري أن تبقى في البلد إلا ليستفيد منها كبار القوم. فهي على الأرجح سوف تهرّب الى الدول المجاورة، وصولا الى إيران وكل من يقع تحت العقوبات الأميركية.

إن توفير الكهرباء الى لبنان يحتاج الى أمرين: أولا، شراء المادة المصفاة من السوق العالمية؛ ثانياً، إدارة المعامل اللبنانية. وهذا ما تقف الوزارة المسؤولة عقبة في سبيله بسبب معارضة أسياد الوزير لأسباب طائفية. لقد بلغت التفاهة بالساسة اللبنانيين أن يبتزوا المطالبين بالكهرباء لأسباب طائفية. وبلغت الصفاقة بمسؤولي الوزارات أن يطيعوا طاعة عمياء الزعماء الذين يلهثون وراءهم. فلا هؤلاء وزراء حقيقيون ولا أولئك زعماء يستحقون اللقب. سوف يستخرج النفط والغاز ويباع للأسواق الأجنبية، ومع تهريب الدولار لن يكون متاحاً شراء النفط من السوق العالمية لإدارة مصانع الكهرباء في لبنان.

المطلوب أولاً وأخيراً هو الدولة ذات النظام والانتظام والهيبة والقرار؛ والمطلوب وزراء أكثر من دمى، وانتخاب رئيس للجمهورية، وانتقاء رئيس للوزراء لا يحوم حول الحقيقة، ونواب يناقشون الحقائق ولا يزجهم أصحاب الأنياب في جولات عقيمة، وأن يكون هناك رئيس مجلس نواب يهتم بضرورة استكمال نصاب الدولة، واقتلاع التعمية عن كل ما يقال، وطرد كل الوزراء الذين يتمتعون بقدر كبير من الهبل، وذلك الى جانب الولاء لأكباش طوائف أعمت قلوبهم الطائفية، والتحقيق بجرائم مهما كان فاعلوها.

المطلوب بكل اختصار، هو استعادة نصاب الدولة الذي جرى تدميره خلال السنوات التسع الماضية. المسؤولية عن الانهيار في لبنان لا تقع على من حكم خلال الثلاثين سنة الماضية بل على من حكم خلال السنوات التسع الماضية.

وليخرج القادة السياسيون اللبنانيون من التعمية الى العلن والمصارحة، وليعتبروا أن الدولة أولى الأولويات، والتزويد بالكهرباء ثاني الأولويات. وهو أمر ممكن ومتاح وسهل لو توفرت نوايا السادة غير المغموسة انوفهم في أقذر أنواع الطائفية.

لبنان كدولة ومجتمع لديه ما يكفي من المال والموارد البشرية، شرط أن لا تهرب. ولو لم تدّمر الدولة وينكسر نصابها، عن سابق تصوّر وتصميم، لكان الأمر سهلاً والخروج من الأزمة أمراً متاحاً. هي دولة تخلو من الرجال. وتمتلئ أروقتها بالنصابين والسماسرة وسارقي مدخرات الناس.

المطلوب استعادة دولة دُمّرت في السنوات الأخيرة، وعندها فقط يكون للنفط فائدة، ولو بالنزر اليسير الذي يضاف الى التراكم الاقتصادي والسياسي.